نعى الطيار اليمني مقبل الكوماني القاضي/ مقبل حسن البخيتي.
"في رحيل الوالد "الإنسان" القاضي /مقبل حسن البخيتي،،
لستُ عالماً سيكولوجيآ، كما أنه لا علاقة لي بعلم وطب النفس، فالأمر وما فيه عبارة عن مشاهدات شاهدتها اليوم، وإسقاطات على أرض الواقع رأيتها صباح اليوم واضحة جلية في وجوه الآلاف من البشر الذين حضروا في موكب جنائزي مهيب لتشييع" إنسان" خالي من جميع المجتذبات والمغريات الدنيوية، كل ما في أمره أنه إنسان أحبهم وأحبوه، وبادلوه الوفاء بالوفاء الذي بادلهم به.
أتكلم هنا عن رحيل إنسان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وتفاصيل وخصائص الإنسانية، والتي تحدد هذه التفاصيل وتميز البشر من الإنسان... فليس كل بشر إنسان.
أتكلم عن حشود حضرت بالآلاف طوعا ومحبة ووفاء وإخلاص لإنسان عرفوه دائما يحمل كل معاني الإنسانية والمحبة.
حشود غفيرة لا تحمل في قلبها سوى الوفاء والحُب .. فشتّان بين هذه الحشود وتلك الحشود التي تأتي حُبا في المصلحة والمداهنة والرياء والمنصب الرفيع الذي كان يشغله الفقيد، وهنا لا أعني الفقيد مقبل.. ولكن الفقيد عندما يكون مسؤولا وصاحب منصب رفيع مما يجعل الجميع يتهافت حوله .
ما رأيته اليوم دفع بداخلي الفضول للبحث والسؤال عن السبب في هذا الموكب الجنائزي الكبير والمهيب الذي حظي به الفقيد القاضي /مقبل حسن البخيتي؟ فأنا على يقين أنه لم يكن يتقلد في السنوات الأخيرة منصباً رفيعا، فكل المناصب التي تقلدها في حياته لم يكن أرفعها أكثر من قاضي محكمة إبتدائية إن صح التعبير حد علمي ولم أخطئ.
في صالة العزاء سألني أحد الأصدقاء عن المنصب الذي كان يتقلده الفقيد، حتى تأتي له كل هذه الحشود بالآلاف وبهذا الموكب الجنائزي الذي لم ير قط مثله، فأجبت دون علم : أعتقد أنه لم يكن يتقلد أي منصب في السنوات الأخيرة، وفي قرار نفسي قلت لابد أن أصل إلى الإجابة الشافية.. بعد مغادرة الصالة إنتقلت مع بعض الأصدقاء إلى مكان آخر وهناك سألت شخصا يعرف الكثير عن الفقيد، هذا عدا أن والده كانت تربطة بالفقيد علاقة أخوية متينة.. لن أسهب كما أسهب صديقي الذي ذكر وأسهب في مناقب الفقيد وأخبرني بأشياء وحقائق كثيرة أذهلتني وعرفتني أنها السبب في هذا الحب وهذا الموكب المهيب.... وأن الفقيد لم يكن يتقلد أي منصبا... سوى" منصب الإنسانية" .. وكفى به فخرا... وكفى به منصبا.
بكل إختصار كان "إنسان" مع الجميع، خدوم.. محب للكل ... معين لا ينضب بالخير .. دمث الأخلاق.. بسيط في كل تفاصيل حياته خاليا من أي تعقيدات.
صديقي العزيز فاروق البخيتي ..سيقول البعض لماذا أخاطبك أنت بالذات؟
رأيتك اليوم غير الجميع من ذوي وأهل الفقيد، كنت موجودا جسدا فقط بلا روح وفكر.. عيناك غائرتان تسبحان هما وفكرك وكل مشاعرك في عالم آخر... وكأنك تنظر إلى النعش الذي شُيع عليه والدك من قبل الآلاف ممن حضروا اليوم، تنظر النعش بعد أن عاد فارغا من جثمان والدك الذي تعلقت به وتعلق بك حسب بحثي وأسألتي بعد أن رأيتك في باب صالة العزاء شارد الذهن بجسدك النحيل الخائر الذي هده فراق حيدك ورزح ظهرك حد قولك، جسدك النحيل الذي زاده هذا الفراق نحول آخر وعذاب آخر... دقيقتان لا أكثر التي تكلمت فيها معك، ولكنك شارد بكل حواسك في مكان آخر لا تعلم من يكلمك وماذا تتكلم... حينها فقط عرفت انه التعلق الشديد بمن جاء بك إلى هذه الحياة... أبوك وصديقك وصندوقك الأسود في أدق تفاصيل كما أنت كذلك كنت له... لذا أخترتك من جميع إخوتك... عندما رأيت هذا المصاب الجلل أنك انت من تحمل الجزء الأكبر منه وستتحمل عنائه الذي لا ينتهي بتقادم الأيام والسنين، لذا خاطبتك أنت دون بقية أخوتك وذويك، وهذا لا يعني أني أتجاهل وجع وعذاب بقية أخوتك وذويك في رحيل والدكم المرحوم، لكنه التعلق الشديد الذي كان لديك زيادة حبتين وأكثر من ذلك... وهذا ما جعل آثار الوجع تظهر عليك وعلى كل تفاصيلك أكثر من غيرك..
صديقي فاروق دعني أخبرك بالحقيقة التي ستعيشها في قادم الأيام :
تعلمتُ وعرفتُ بعد رحيل والدي أن لا فراق يكسر حنايا القلب مثل فقد الأب . رحيل الأب كسر لا يشعر به إلا من عاناه، لذا لا مُلام عليك يا صديقي في وجعك وحزنك هذا.
حين يرحل الأب تتوالى بعده مصائب الحنين والإشتياق التي لاتُحصى ولاتعد، فراق أبي خلق بداخلي فراغاً وحزناً لا يسده شيئ، فقدان الأب هو شعور كأنك تفقد الحياة وأنت على قيد الحياة، فقدان الأب هو الدرس الوحيد لتعليم الإنسان كيف ينظر للأشياء بحجمها الضئيل، فليس بعد فقدانه ما يستحق الوقوف عنده..... كالمسافر بلا وطن.
نعم هذه هي الحقيقة، وهذه هي الحقائق التي ستعيشها أنت وذويك في قادم الأيام... صحيح أنها موجعة وباهظة الثمن.. ولكن دعني أخبرك بالشيء الأجمل والبلسم الشافي والأكمل الذي سيخفف عنك كل تلك الحقائق الموجعة، والتي لم أذكرها سوى من باب التوضيح لمعاناة وحقائق عشتها بعد رحيل والدي الذي كنت متعلقا به حد الجنون، تمامآ مثل تعلقك بوالدك..
عندما تأتيك هذا الحقائق.. تذكْر هذا اليوم جيدآ، وهذه الحشود الكبيرة التي أتت حباً ووفاءا للإنسان النقي والطيب التقي /مقبل حسن البخيتي، الذي أحبه الله فحبب فيه خلقه..
والدك لم يمت يا فاروق طالما رحل جسدا وبقي روحا جميلة لم تمت تسكن في قلوب هؤلاء الآلاف من الناس...رجل عظيم مثله ينبغي أن تفاخر به مدى حياتك ولا تحزن أبدآ،
كلما تكتب أو تقرأ إسمك وتجد أنه لا زال مقرونا ب / مقبل حسن البخيتي."
