قراءة ثانية في فيلم المعركة الأخيرة!

قراءة ثانية في فيلم المعركة الأخيرة!
المؤلف A
تاريخ النشر
آخر تحديث

قراءة ثانية في فيلم المعركة الأخيرة!



(جثمان غائب وصراع مستمر)

بقلم فتحي أبو النصر


يأتي فيلم "المعركة الأخيرة" ليضع المشاهد اليمني والعربي أمام حقيقة مرّة لطالما أُخفيت خلف غبار الخلافات والصراعات والتخوين المتبادل. يعيد الفيلم تسليط الضوء على لحظة تاريخية فارقة: انتفاضة ديسمبر 2017 التي انتهت بمقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح. تلك اللحظة التي كشفت عمق الخيانة، واتساع هوة الانقسامات داخل النسيج الجمهوري نفسه، لا سيما في صفوف المؤتمر الشعبي العام.

لكن أكثر ما يلفت في الفيلم هو أن علي عبدالله صالح لم يُقتل فقط برصاص الحوثيين، بل بخيانة أقرب الناس إليه، ممن ظنهم يومًا "القبائل السند" و"رفاق السلاح". هذا الشعور بالخيانة لا يأتي من العاطفة فحسب، بل من وقائع صارخة: تخلي قبائل الطوق، وصمت كثير من قيادات الجيش، وانسحاب المؤتمر الشعبي العام في لحظة كان يمكن أن تغير مجرى الحرب.

والفيلم يُجسد صالح وهو يصارع الموت وحيدًا إلى جواره القائد الوفي عارف الزوكا، ومجموعة من الضباط الشجعان، في حين كان من أكلوا من خيره واقفين في صفوف المتفرجين، أو أكثر من ذلك: متواطئين. في تلك اللحظة، تبخرت ثلاثون عامًا من التحالفات، وكأن كل التضحيات التي قُدمت في سبيل الجمهورية والدولة قد أصبحت بلا قيمة أمام مصالح جديدة أو وعود غامضة.

ومع ذلك، لا يتوقف الفيلم عند لحظة النهاية، بل يُسلط الضوء على ما بعدها. اختفاء جثمان علي عبدالله صالح يبقى الجرح المفتوح، واللغز الكبير في تاريخ اليمن الحديث. غياب الجثمان هو تغييب للحقيقة، وتغذية دائمة للشائعات، وورقة تُستخدم في الصراع السياسي والمجتمعي. وللأسف، لا تزال أسرته، وأنصاره، والشارع اليمني الواسع، ينتظرون جوابًا لم يأتِ.

من خلال قراءة الفيلم في سياقه السياسي الحالي، يظهر بوضوح أن الصراع لم يعد بين "عفافيش" فقط، كما درجت بعض الأوصاف، بل انقسم المؤتمر نفسه إلى "عفافيش وطوارق"، في إشارة إلى الخلافات المتفاقمة بين جناح صنعاء وجناح الساحل. هذه الخلافات بدأت تتعمق، وربما تنفجر علنًا في قادم الأيام، إن لم يُعاد ضبط البوصلة.

كما أن الفيلم يلمّح بوضوح إلى أن هناك أخطاء فادحة في إدارة التحالفات والشرعية. تسليم الجبهات، العبث بالمخازن، إقصاء الانتقالي، استهداف طارق صالح رغم كونه جزءًا من المعركة الكبرى ضد الحوثي، كلها مؤشرات على أن البديل عن الحوثي يبدو أحيانًا أقل نضجًا وأبعد عن الجمهورية مما هو مأمول. وهذا ما يجعل المجتمع الدولي مترددًا في القطيعة مع جماعة الحوثي.

في النهاية، يُذكّرنا الفيلم بأن الحوثي لم ينتصر بقوته، بل بهزيمتنا الذاتية، بتشرذمنا، بخياناتنا، بأحقادنا. من يهتف "قادمون يا صنعاء" لا بد أن يطرح السؤال الصادق: بأي مشروع؟ وبأي روح؟ وهل سيصل فعلاً، أم يزيد المسافة بينه وبين صنعاء؟

رحم الله علي عبدالله صالح، وأسكنه فسيح جناته.
أما من تبقى، فعليهم أن يتعلموا من الدرس، لأننا على أبواب فصل جديد، لا يحتمل خيانات أخرى.


تعليقات

عدد التعليقات : 0